الأحد، 29 يوليو 2012

واشنطن بوست تفضح امبراطورية مليارات الاخوان في جزر البهاما

                            

الجماعه تخفي اموالها في جزر قيل ان مبارك يخفي امواله هناك ايضا!!

صوره تجمع عاكف والشاطر وابو الفتوح
الحياة إيكونوميستالسبت 21 أبريل 2012?

ما يظهر من ثروات وأموال جماعة الإخوان المسلمين في مصر وباقي دول العالم، لا يزيد علي كونه الجزء الظاهر من "جبل الثلج"، يختفي معظمه تحت الماء، هذه هي خلاصة التحقيق الذي أجراه الصحفي الأمريكي فرح دوجلاس، الذي عمل في السابق مديرا لمكتب صحيفة "واشنطن بوست" في غرب إفريقيا، وهو يشغل حاليا منصب مدير مركز "إي بي إي"، فتحت عنوان "اكتشاف جزء صغير من إمبراطورية شركات الأوف شور لجماعة الإخوان المسلمين الدولية"، قدم دوجلاس تقريرا يعتبر من أوائل التقارير التي كشفت عن مصادر تمويل الإخوان المسلمين.

وأشار دوجلاس في تقريره إلي أن الإخوان المسلمين نجحوا بالتوازي مع بداية ظاهرة البنوك الإسلامية الحديثة، التي عرفها العالم في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، في بناء هيكل متين من شركات "الأوف شور"، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من قدرتها علي إخفاء ونقل الأمول حول العالم، فهي شركات يتم تأسيسها في دولة أخري غير الدولة التي تمارس فيها نشاطها، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير، يجعلها بعيدة عن الرقابة، وهو ما جعلها تنجح حتي الآن في لفت أنظار أجهزة المخابرات والمنظمات القانونية التي تطارد هياكل تمويل الإرهاب، في كل أنحاء العالم.

ويقول دوجلاس: إن الفرضية الأساسية للجوء الإخوان المسلمين لشركات "الأوف شور"، هي الحاجة لبناء شبكة في الخفاء، بعيدا عن أنظار الذين لا يتفقون معها في الأهداف الرئيسية، وعلي رأسها السعي لتأسيس الخلافة الإسلامية، ولتحقيق هذه الغاية - حسبما يقول دوجلاس، "اعتمدت استراتيجية الجماعة، علي أعمدة من السرية والخداع والخفاء والعنف والانتهازية".

ومن أبرز قادة تمويل الإخوان المسلمين، الذين رصدهم تقرير دوجلاس، إبراهيم كامل مؤسس بنك دار المال الإسلامي "دي إم إي"، وشركات الأوف شور التابعة له في "ناسو" بجزر البهاما، وهناك أيضا يوسف ندا، وغالب همت ويوسف القرضاوي، في بنك التقوي في ناسو، وأيضا إدريس نصر الدين مع بنك أكيدا الدولي في ناسو.

ويؤكد تقرير دوجلاس أن كل جماعة إسلامية كبيرة تقريبا، يمكن عند تتبع جذورها الوصول إلي الإخوان المسلمين، التي تأسست علي يد حسن البنا، في عام 1928، كحركة إسلامية تناهض التوجهات العلمانية في الدول الإسلامية، موضحا أن حماس منبثقة بشكل مباشر منها، وحسن الترابي الذي عرض علي أسامة بن لادن والتابعين له في القاعدة، اللجوء إلي السودان، هو أحد قادة الإخوان المسلمين، كما أنه عضو مجلس إدارة العديد من أهم المؤسسات المالية الإسلامية، مثل بنك دار المال الإسلامي "دي إم إي"، وعبدالله عزام مستشار «بن لادن»، هو أيضا أحد رجال الإخوان الأقوياء في الأردن، وأيمن الظواهري الزعيم الاستراتيجي لتنظيم القاعدة، تم إلقاء القبض عليه في مصر، وهو في الخامسة عشرة من عمره، بتهمة الانتماء للإخوان، وأيضا خالد شيخ محمد، المتهم بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر، ومحمد عطا، المصري المتهم بتنفيذها، والشيخ عمر عبد الرحمن مؤسس الجماعة الإسلامية، فجميعهم كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين.

وتكشف الوثائق التي اعتمد عليها دوجلاس في تقريره، أن الشبكة المالية للإخوان المسلمين من الشركات القابضة والتابعة، والمصارف الصورية، وغيرها من المؤسسات المالية، تنتشر في بنما وليبيريا، جزر فيرجن البريطانية، وجزر كايمان، وسويسرا وقبرص ونيجيريا، والبرازيل والأرجنتين وباراجواي، وأغلب هذه المؤسسات مسجلة بأسماء أشخاص مثل ندا ونصر الدين والقرضاوي وهمت، الذين يقدمون أنفسهم بشكل عام كقادة في الجماعة.

وكان مسئول كبير في الحكومة الأمريكية، قد أشار إلي أن مجموع أصول الجماعة دوليا، يتراوح ما بين 5 و10 مليارات دولار، بينما يري دوجلاس أنه يظل من الصعب تقدير قيمة هذه الأصول بدقة، لأن بعض الأعضاء مثل ندا ونصرالدين، يملكون ثروات ضخمة، كما يملكان عشرات الشركات، سواء حقيقية أو "أوف شور"، ونفس الأمر بالنسبة لـ"غالب همت"، وقادة آخرين من الإخون المسلمين، مشيرا إلي صعوبة التمييز بين الثروات الشخصية والعمليات الشرعية من ناحية، وبين ثروة الإخوان المسلمين من ناحية أخري، لكنه قال إن هذا الأمر "ليس مستحيلا".

وأضاف دوجلاس "من الواضح أن كل المال ليس موجه من أجل تمويل الإرهاب والإسلام الأصولي، وبنفس الدرجة من الوضوح، توفر هذه الشبكات المالية، الوسائل والطرق التي تساهم في نقل قدر كبير من الأموال السائلة لهذه العمليات"، موضحا أن إحدي العلامات التي تشير إلي انتماء شركة أو مؤسسة إلي أنشطة الإخوان المسلمين، وليست جزءا من ثروة وممتلكات صاحبها، هو تداخل نفس الأشخاص في إدارة الشركات والمؤسسات المالية، فعلي سبيل المثال، هناك شبكة مؤسسات الإخوان المسلمين في ناسو بجزر البهاما، وكلها مسجلة عناوينها، مثل عنوان شركة المحاماة "آرثر هانا وأبناؤه"، حيث انضم عدد من أفراد عائلة هانا إلي مجلس إدارة البنوك والشركات الإخوانية، كما تولت شركة المحاماة المعاملات القانونية لمؤسسات الإخوان، ومثلت الشركات في عدد من القضايا، كما أن العديد من مديري الشركات التي لا تعد ولا تحصي للإخوان، يخدمون كمديرين في عدة شركات في نفس الوقت، وفي المقابل، العديد منهم أعضاء في مجالس إدارة أو مجالس الشريعة لبنك "دي إن إي"، وغيره من المؤسسات المالية المهمة، التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، ووفقا للتقرير، يعتبر ندا ونصر الدين مع عدد من أفراد عائلة أسامة بن لادن، من حملة الأسهم الرئيسيين في بنك التقوي، إلي جانب عشرات من قادة الإخوان المسلمين، مثل يوسف القرضاوي.

أما الجزء الأكثر وضوحا في شبكة تمويل الإخوان، فهي بنوك الأوف شور في جزر البهاما، التي خضعت لتحقيقات سريعة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن بنكي التقوي وأكيدا الدولي، متورطان في تمويل عدد من الجماعات الأصولية، من بينها حركة حماس، وجبهة الخلاص الإسلامية، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وجماعة النهضة التونسية، بالإضافة إلي تنظيم القاعدة.

وفي وقت مبكر، كشفت المخابرات المركزية الأمريكية أن بنك التقوي وغيره من المؤسسات المالية للإخوان، تم استخدامها ليس فقط من أجل تمويل القاعدة، ولكن أيضا لمساعدة المنظمات الإرهابية علي استخدام الانترنت والهواتف المشفرة، وساهمت في شحن الأسلحة، وأعلنت وزارة الخزانة نقلا عن مصادر في أجهزة الاستخبارات، أنه "مع حلول أكتوبر 2000، كان بنك التقوي يوفر خط ائتمان سريا لأحد المساعدين المقربين من أسامة بن لادن، وأنه مع نهاية شهر سبتمبر 2001، حصل أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، علي مساعدات مالية من يوسف ندا".

ويذكر الصحفي الأمريكي في تقريره، أن تأسيس بنك التقوي وبنك أكيدا تم في ناسو علي نمط شركات الأوف شور، ليكونا بنكين ظاهريا مع عدد قليل من الموظفين، يتولون حراسة أجهزة الكمبيوتر والهواتف، ويتبع البنك إدارة منظمة التقوي التابعة بدورها لكيان آخر يملكه ندا في سويسرا، ويملك ندا حصة الإدارة في البنك، فيما يشغل نصر الدين منصب المدير، وبنفس الأسلوب، يتبع بنك أكيدا منظمة نصرالدين، الذي يتولي إدارة البنك، بينما يظهر ندا كعضو بمجلس الإدارة، أما الأنشطة البنكية الحقيقية، فتتم من خلال علاقات تبادلية مع بنوك أوروبية.

ويقول دوجلاس "رغم الأدلة الواضحة والمتكاملة بشأن شبكة الأوف شور التابعة للإخوان المسلمين، التي توفر دعم لمختلف العمليات الإرهابية، فإن الإجراء الوحيد الذي تم اتخاذه ضد هذه المؤسسات المالية، هو تجميد عدد من الشركات المملوكة لندا ونصر الدين"، مضيفا أنه كان هناك القليل من التنسيق من أجل رسم خريطة لتحديد وفهم الشبكة المالية للإخوان المسلمين، باستثناء مشروع حلف شمال الأطلسي، الذي يركز علي أنشطة الجماعة في أوروبا، والساعي لتحديد مختلف الكيانات المرتبطة بها.

وكان جزء كبير من أنشطة الإخوان المسلمين، قد تم تأسيسه كشركات "أوف شور"، من خلال صناديق استثمارية محلية في إمارة ليختنشتاين، الواقعة علي الحدود السويسرية النمساوية، حيث لا توجد هناك حاجة لتحديد هوية أصحاب هذه الشركات، ولا توجد أي سجلات عن أنشطة الشركة ومعاملاتها.

وفي 28 يناير 2002، قام ندا بمخالفة حظر السفر المفروض عليه من قبل الأمم المتحدة، وسافر من محل إقامته في إيطاليا إلي سويسرا، وفادوز عاصمة إمارة ليختنشتاين، وهناك قام بتغيير أسماء العديد من الشركات، وفي نفس الوقت تقدم بطلب لتصفية شركات جديدة، وعين نفسه مسئولا عن تصفية هذه الشركات، وبالنسبة لكيانات "الأوف شور" الجديدة، فلا توجد لها أي سجلات فى امارة ليختنشتاين


حملة د. مرسي "وطن نظيف" والتجربة السودانية.. ما أشبه الليلة بالبارحة



الكاتب السوداني . حمّور زيادة:
شجون أثارتها بي حملة الرئيس المصري د. محمد مرسي " وطن نظيف " .. لكني قلت لنفسي ، والنفس أمارة بالسوء ، لعل الأشياء ليست كالأشياء. ثم استمعت إلى حديث د. محمد مرسي عن العدالة الاجتماعية التي تتحقق بالحب. فوجدت الذكريات تصخب في ذهني. وذات المقدمات تلوح في أفق مصر. مقدمات أعرفها يقيناً ، و نحفظها في بلادي عن ظهر قلب. فهي تاريخنا القريب .. ذلك البائس الذي قادنا إلى واقعنا الأكثر بؤساً.
في نهاية عقد الثمانينيات وبدء التسعينيات حين تحركت الدبابات في الخرطوم تحت قيادة الحركة الإسلامية السودانية لتنفذ انقلابا عسكرياً قيل انه لإنقاذ البلاد من فشل الحكومة الديمقراطية المنتخبة رأينا ذات القطرات تصب علينا من سُحب الوعود. حدثونا عن سودان قوي قادر. وطن سيأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع. وهتفوا بحياة " المشروع الحضاري " للثورة الإسلامية التي جاءت لتنقذ السودان من فخ الضياع الذي قادته إليه الديمقراطية. في تلك الأيام النحسات ، كما عرفنا بعد ذلك ، رأينا كيف يُجنّب مشروع الإسلام السياسي الحاكم الدولة لصالح المجتمع.

أزمة تيار الإسلام السياسي أنه يحاول المزاوجة بين الدور التقليدي للداعية والقدوة الدينية ودور الدولة الحاكمة. وهي المزاوجة التي أثبتت فشلها في السودان بجدارة.

لجأ النظام الإسلامي الحاكم للخطاب الشعبوي المهيّج لأحلام الجماهير. وأخذ التلفزيون الرسمي يعرض " غارات " العميد طبيب الطيب إبراهيم محمد خير وزير شئون الرئاسة على المصالح الحكومية على حين غرة ليكتشف الموظفين المتكاسلين النائمين في مكاتبهم أو المتغيبين عن العمل. وأمام عدسات التلفزيون كان الوزير الثائر يكيل التأنيب للموظفين أو يقرر فصلهم وسط إعجاب الجماهير بتلك الخطوات " الحاسمة " لفوضى مؤسسات الدولة. لكن .. بينما كنا نهتف إعجاباً كان النظام يفصل عشرات الآلاف من وظائفهم تحت مسمى " الصالح العام " .. حيث تم التخلص من عشرات الآلاف من الكفاءات المعارضة أو غير المنتمية للحركة الإسلامية .. مع ملء الفراغ ببعض عشرات من المنتمين و بعض مئات من المحايدين الذين يؤمرون فيطيعون ويُقدمون فيهتفون.

في تلك الأيام تم فصل د. فاروق كدودة عالم الاقتصاد رحمه الله من التدريس الجامعي .. وبرر مدير الجامعة الجديد فصله للعالم الاقتصادي الشيوعي بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يأمره بفصله.

وتم التخلص من الآلاف من ضباط الجيش والأطباء بدعوى عدم الحوجة إليهم وأنهم عبء على خزينة الدولة.

لكن الحركة الإسلامية في السودان بتراثها الدعوي و التربوي القائم على تربية الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع لم تكن على استعداد لفهم ماهية الدولة. بالنسبة لها الدولة هي مجتمع كبير. لذلك عليها أن " تُفعّل " المجتمع ليصبح مجتمعاً رسالياً. هكذا قالوا لنا.
بدأت مشاريع الدولة بمليشيات الدفاع الشعبي. فبحكم أن الانقلاب في شكله الظاهر انقلاب عسكري يضع حرب الجنوب في أولوياته. قال " العميد " ، في وقتها ، عمر البشير ، و الذي صار بعد ذلك مشيراً مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، قال إن الجيش يفتقد التمويل حتى أكل جنوده أوراق الشجر ولم يعد لديهم سلاح يقاتلون به. لكن حل الحركة الإسلامية لم يكن دعم مؤسسة الجيش بل كان تجيّش الشعب في مليشيات الدفاع الشعبي للقتال في الجنوب جنباً إلى القوات المسلحة. و لا تسألني عن من أين أتى تمويل تلك المليشيات الشعبية أو تسليحها ولماذا لم يذهب ذلك التمويل مباشرة للجيش. تم حشد الآلاف من الشباب إلى الحرب .. بعضهم من الإسلاميين المتشوقين للجهاد و الحور العين و الجنة .. وبعضهم من الشباب الذي يُلقى القبض عليه في الشوارع ويحشد إلى معسكرات التدريب لأسابيع ثلاثة ثم يُحمل إلى الجنوب ليجاهد. ثم تدخلت الدولة لتقنن التجييّش ليكون القتال في الجنوب إلزامياً لكل طالب قبل دخوله الجامعة. هكذا كان حل الحركة الإسلامية لضعف تمويل مؤسسة الجيش .. أن يقاتل الشعب.

أحد أكبر الأزمات التي هزّت الحكم الديمقراطي في السودان كانت أزمة السكر. ولحلها اتجه الإسلاميون أيضاً إلى المجتمع .. حيث كونوا " اللجان الشعبية " في الأحياء .. مهمة هذه اللجان أن تنظم توزيع السكر ، ثم بعد ذلك الخبر و العدس و بعض المواد التموينية ، على المواطنين. وتلاشى طبعاً دور مؤسسات الدولة التموينية لصالح هذه اللجان التي سيطر عليها الإسلاميون في الأحياء. ولم تعد مهمة اللجان فقط تنظيم عملية توزيع المواد التموينية إنما أصبحت أداة عقاب لبعض المارقين. فكان التموين يُحجب عن أسر المعارضين السياسيين الذين يتم اعتقالهم. وللحق فإنه لم يقم دليل على أن المنع كان بقرارات فوقيه إنما يغلب على الظن انه كان اجتهاداً من الإسلاميين الملتزمين الذين يستنكرون أن ينعم بسكر الدولة الأعداء المخربين من الشيوعيين و العلمانيين و الملاحدة ، حسبما يظنون بكل معارض لهم.

أين الدولة والرقابة على توزيع السلع الضرورية ؟ لا وجود لها .. إنما يتم الاستعاضة عنها بالشعب.

ويذكر أهل السودان جيداً المقدم يوسف عبد الفتاح .. ذلك الذي أطلقوا عليه تندراً لقب " رامبو ". كان المقدم يقتحم بقواته مصانع رجال الأعمال ويحمل من مخازنها الأسمنت و الرخام والسيراميك و الطوب ليقيم بها " الصواني " الأنيقة في الشوارع. وقاد المقدم ، ضمن ما قاد ، حملات نظافة المدن التي يُخرج لها طلاب المدارس. وكنا حينها ، في ريعان صبانا الغض حياه الله ، نجبر على ترك حاجياتنا في المدارس ونخرج راجلين لنحمل الأوساخ في الشوارع ويصورنا التلفزيون الرسمي .

وأتحفنا النظام بمشاريع على شاكلة " مشروع فضل الظهر " .. وهو مشروع يهدف لحل أزمة المواصلات .. وهو ، بدلاً عن توفير اتوبيسات تليق بالاستخدام البشري، يعتمد على إلزام المواطنين أصحاب السيارات بحمل الواقفين في الشوارع معهم.

ثم توالت مشاريع " تعظيم شعيرة الصلاة " .. و " تعظيم شعيرة الزكاة " .. و مشاريع الصناديق المالية التي يُجبر الناس على التبرع لها كصندوق " دعم الشريعة الإسلامية " وبعد كل هذه السنوات لا ندري بدقة ماذا كان هذا الصندوق يفعل .. لكن الشعب كان يدفع.

هكذا حاول نظام البشير في السودان أن يخلق " المجتمع الرسالي " على حساب مؤسسات الدولة ،لكنه لم ينجح إلا في القضاء على هذه المؤسسات ليحل محلها بعد ذلك القطاع الخاص المتوحش للربح .. والذي للصدفة البحتة كان أغلبه مملوكاً لأبناء الحركة الإسلامية. انهارت مدارس الدولة ومستشفياتها وأغلقت مصانعها وتم تصفية إدارات النظافة في البلديات وبيعت هيئة النقل وسياراتها ليحل محلها مدارس خاصة مستشفيات استثمارية ومصانع مملوكة لأفراد وأسر وشركات نظافة ورصف طرق ونقل مملوكة لوزراء دائمين وولاة لا يغادرون مراكزهم.

إن مصر ليست السودان بلا شك. فالدولة في مصر أكثر عمقاً ورسوخاً من نظيرتها في السودان. والمجتمع أكثر تعقيداً وتركيباً وتضارب مصالح من رصيفه في السودان. كما أن إخوان مصر ، كما أحسب ، أكثر إدراكاً للتحديات من إخوانهم في السودان. لكن هذا لم يمنع دهشتي وأنا أرى الرئيس د. محمد مرسي يأخذ خطوات تشابه خطوات المشير عمر البشير الذي انتهى ببلده مقسماً متحارباً تخرج فيه المظاهرات تطالب بإسقاطه فيترك التأسي بالخلفاء والصحابة ليقلد العقيد القذافي في وصف معارضيه أنهم شذّاذ أفاق.

ليت د. محمد مرسي يدرك سريعاً ، وهو سيدرك ذلك آجلاً بلا شك ، أن حكم دولة ناجحة يحتاج إلى أستاذ الهندسة وخبرته بالعالم لا إلى السالك المتدين الذي يعشق السيرة. فالدولة ، حسبما علمنا سقوط السودان ، ليست فرداً وأسرة ومجتمع كما يؤمن الدعاة والمرشدين .. إنما هي مؤسسات مستقلة تقوم على خدمة هؤلاء.

أما إن أرادت الدولة أن تنحي مؤسساتها جانباً ليقوم المجتمع على إدارة وخدمة نفسه بنفسه لتتفرغ أجهزة الدولة لمطاردة العصاة والنساء المتبرجات والروايات المثيرة للغرائز كما يحدث في السودان فإن ذلك هو الفشل.

يقولون في بلادنا : من جرّب المجرّب حاقت به الندامة.

نظافة الشوارع تحتاج مؤسسات حكومية فاعلة لا متطوعين .. والعدالة الاجتماعية تحتاج تنمية متوازنة وقوانين اشتراكية فاعلة لا صدقات وهبات محسنين.

مؤسسات الدولة القوية المستقلة هي الحل .. لا المجتمعات التي تدير نفسها.
ولمصر التحية .. والحلم بغد أجمل.