الاثنين، 7 يناير 2013

رد الأزهر علي سيد قطب




الوثيقة الرسمية للأزهر حول كتاب:

معالم في الطريق

لسيد قطب

التي أعدّها فضيلة الشيخ : محمد عبد اللطيف السبكي، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، بناءً على طلب الإمام الشيخ : حسن مأمون، شيخ جامع الأزهر :


( لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه : دعوة إلى الإسلام، ولكن أسلوبه أسلوب استفزازي، يفاجأ القارئ بما يهيّج مشاعره الدينيّة، وخاصة إذا كان من الشباب، أو البسطاء، الذين يندفعون في غير رؤية إلى دعوة الداعي باسم الدين، ويتقبّلون ما يوحى إليهم من أحداث، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله، وأن الأخذ بها سبيل إلى الجنة .

وأحب أن أذكر بعض النصوص من عبارات المؤلف، لتكون أمامنا في تصور موقفه :

في (ص/ 6) يقول :

(( ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة .

لا بد من إعادة وجود هذه الأمة، لكي يؤدّي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرّة أخرى .. لا بد من بعث تلك الأمة التي وارها ركام الأجيال، وركام التصوّرات، وركام الأوضاع، وركام الأنظمة التي لا صِلة لها بالإسلام ... إلخ )) .

إن المؤلِّف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة . ومعنى هذا : أن عهود الإسلام الزاهرة، وأئمة الإسلام، وأعلام العلم في الدين، في : التفسير، والحديث، والتفقه، وعموم الاجتهاد في آفاق العالم الإسلامي، معنى هذا : أنهم جميعـًا كانوا في جاهلية، وليسوا من الإسلام في شيء، حتى يجيء إلى الدنيا سيد قطب !! .

(ص/ 9 ـ 11) :

(( إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية .. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخصّ خصائص الألوهية، وهي الحاكمية، إنها تسند الحاكمية إلى البشر .. وفي هذا ينفرد المنهج الإسلامي، فالناس في نظام غير النظام الإسلامي يعبد بعضهم بعضـًا )) (ص/ 10) .

(( وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرّر الناس جميعـًا من عبادة بعضهم لبعض .. وهذا هو التصوّر الجديد الذي نملك إعطاءه للبشرية .. ولكن هذا الجديد لا بد أن يتمثّل في واقع عملي، لا بد أن تعيش به أمة، وهذا يقتضي عملية بعث في الرقعة الإسلامية .. فكيف تبدأ عملية البعث ؟ .

إنه لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمشي في الطريق )) (ص/ 11) .

(( ولهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من معالم في الطريق .

لهذه الطليعة المرجوة المرتقبة كتبت "معالم في الطريق" )) .

فهذه دعوة مكشوفة إلى قيام طليعة من الناس ببعث جديد في الرقعة الإسلامية .

والمؤلف هو الذي تكفّل بوضع المعالم لهذه الطليعة، ولهذا البعث المرتقب .

(ص/ 21) :

(( نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام، أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية )) !! .

(ص/ 23) :

(( إن مهمتنا الأولى هي : تغيير واقع هذا المجتمع، مهمتنا هي : تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه )) .

(ص/ 31) :

(( وليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني، أو طاغوت فارسي، إلى يد طاغوت عربي .. فالطاغوت كله طاغوت .

إن الأرض لله . وليس الطريق أن يتحرّر الناس من هذه الأرض من طاغوت إلى طاغوت .. إن الناس عبيد لله وحده .. لا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد .. وهذا هو الطريق )) .

إن كلمة (( الحاكمية لله .. ولا حاكمية إلا لله )) كلمة قالها الخوارج قديمـًا، وهي وسيلتهم إلى ما كان منهم في عهد الإمام علي، من تشقيق الجماعة الإسلامية، وتفريق الصفوف، وهي الكلمة التي قال عنها الإمام علي : "إنها كلمة حق أريد بها باطل" .

فالمؤلف يدعو مرّة إلى بعث جديد في الرقعة الإسلامية، ثم يتوسّع فيجعلها دعوة في الدنيا كلها، وهو دعوة على يد الطليعة التي ينشدها، والتي وضع كتابه هذا ليرشد بمعالمه هذه الطليعة .

وليس أغرب من هذه النزعة الخياليّة، وهي نزعة تخريـبيـة، يسميها : طريق الإسلام .

والإسلام كما هو اسمه ومسمّاه يأبى الفتنة ولو في أبسط صورة، فكيف إذا كانت غاشمة، جبّارة، كالتي يتخيّلها المؤلف ؟!! .

وما معنى الحاكمية لله وحده ؟؟ .

هل يسير الدين على قدمين بين الناس ليمتنع الناس جميعـًا عن ولاية الحاكمية، أو يكون الممثل لله في الحكم هو شخصية هذا المؤلف الداعي، والذي ينكر وجود الحكام، ويضع المعالم في الطريق للخروج على كل حاكم في الدنيا .

إن القرآن نفسه يعترف بالحكام المسلمين، ويفرض لهم حق الطاعة علينا، كما يفرض عليهم العدل فينا، ويوجّه الرعيّة دائمـًا إلى التعاون معهم .

والإسلام نفسه لا يعتبر الحكام رسلاً معصومين من الخطأ، بل فرض لهم أخطاء تبدو من بعضهم، وناشدهم أن يصححوا أخطاءهم بالرجوع إلى الله وسنة الرسول، وبالتشاور في الأمر مع أهل الرأي من المسلمين .

فغريب جدّا أن يقوم واحد، أو نفر من الناس، ويرسموا طريقـًا معوجّـًا، ويسمّوه : طريق الإسلام لا غير .

لا بد لاستقرار الحياة على أي وضع من أوضاعها من وجود حكام يتولّون أمور الناس بالدين، وبالقوانين العادلة .

ومن المقررات الإسلامية : (( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن )) .

فكيف يستقيم في عقل إنسان أن تقوم طليعة مزعومة لتجريد الحكام جميعـًا من سلطانهم ؟!! .

وبين الحكام كثيرون يسيرون على الجادّة بقدر ما يتاح لهم من الوسائل .

هذا شطط في الخيال، يجمح بمؤلف الكتاب إلى الشذوذ من الأوضاع الصحيحة، والتصورات المعقولة .

(ص/ 43) : (( فلا بد أولاً أن يقوم المجتمع المسلم الذي يقر عقيدة : لا إله إلا الله، وأن الحاكمية ليست إلا لله . وحين يقوم هذا المجتمع فعلاً تكون له حياة واقعية، وعندئذٍ فقط يبدأ هذا الدين في تقرير النظم، وفي سنّ الشرائع )) .

فهذا هجوم من المؤلف على الواقع، إذ ينكر وجود (( مجتمع مسلم )) ، وينكر وجود (( نظام إسلامي )) ، ويدعو إلى الانتظار في التشريع الإسلام حتى يوجد المجتمع المحتاج إليه، يريد : المجتمع الذي ينشأ على يده، ويد الطليعة !! .

يخيّل إلينا : أن المؤلف شطح شطحة جديدة، فزعم لنفسه الهيمنة العليا الإلهية في تنظيم الحياة الدنيا، حيث يقترح أولاً : هدم النظم القائمة، دون استثناء، وطرح الحكام، وإيجاد مجتمع جديد، ثم التشريع الجديد لهذا المجتمع الجديد .

يشطح به مرّة ثالثة أو رابعة، فيقول (ص/ 46) :

(( إن دعاة الإسلام حين يدعون الناس لإنشاء هـــذا الدين ـ كذا ـ يجب أولاً : أن يدعوهم إلى اعتناق العقيدة، حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون، ويعلموهم أن كلمة : لا إله إلا الله مدلولها الحقيقي هو ردّ الحاكمية لله، وطرد المعتدين على سلطان الله ... )) وهكذا .

وتلك نزعة المؤلف المتهوّس، يناقض بها الإسلام، ويزعم أنه أغير الخلق على تعاليم الإسلام .. أليست هذه الفتنة الجامحة .. من إنسان يفرض نفسه على الدين، وعلى المجتمع ) .

إلى آخر ما جاء في الوثيقة الرسمية للأزهر .

وكان مما جاء في نهايتها :

( وبعد : فقد انتهيت من كتاب (( معالم في الطريق )) إلى أمور :

1 ـ أنه إنسان مسرف في التشاؤم، ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود، ويصورها كما يراها هو، أو أسوأ مما يراها.

2ـ أن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه التديّن، من مطاردة الحكام، مهما يكن في ذلك من إراقة الدماء، والفتك بالأبرياء، وتخريب العمران، وترويع المجتمع، وتصدّع الأمن، وإلهاب الفتن؛ في صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله .

وذلك هو معنى (( الثورة الحاكمية )) التي ردّدها في كلامه )